الجمعة، 11 ديسمبر 2020

بسم الله الرحمن الرحيم *_حكم أكل لحم الفيل_* الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد. فقد سألنا أحد إخوتنا في مجموعة على الواتس، عم حكم أكل لحم الفيل، فأردت البحث عن حكمه، فوجدت أقوالا وأحكاما ومسائل كثيرا لأهل العلم حوله، فشرعت بجمع ما اطلعت عليه ولم أقصد في البداية بكتابة رسالة كهكذا، ثم بعد ذلك ظننت أن اجعله كرسالة وأنشره لكي يعم النفع بإذن الله جل وعلا، وها هي - بفضل الله عز وجل. • بوّب *الإمام عبدالرزاق بن همام الصنعاني* رحمه الله في *_مصنفه_*( _كتاب المناسك_: ٨٧٦٥- ٨٧٧٠، ٥٣٣/٤- ٥٣٤) بابا باسم: *بابُ الفِيلِ وأكْلِ لَحْمِ الفِيلِ* وذكر فيه حديث مرسل وآثار على أن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو، فلا يسأل عنها، ونحو هذا. ثم روى رحمه الله عن *الثوري* عن *جابر*[ لم أعرفه، فإنه روى عن الشعبي اثنان ممن اسمهم جابر، وهما: *جابر بن يزيد الجعفي*( _*ضعيف رافضي متروك متهم بالوضع، من أكبر علماء الشيعة مشهور*_، الخامسة، من صغار التابعين، ت: ١٢٧ھ، د ت ق)، و *جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي*( *_صدوق حسن الحديث_*، السابعة، من كبار اتباع التابعين)؛ ولكن لم يرو عنهما *الثوري*، فالله تعالى أعلم. وربما يكون هو *الجعفي*، فإنه و *الثوري* كوفيان، والله أعلم. ثم وجدت ما يدل على أنه هو *الجعفي*، فقد تكلم عنه *الثوري*، ونقل عنه أخبار؛ فليراجع *_تهذيب_ ابن حجر*، والله الموفق.] أنه سأل *الشَّعْبِيَّ؟* عَنْ لَحْمِ الفِيلِ؟ فَتَلا *﴿ قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا﴾* وقال: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَمَّنْ سَمِعَ *الحَسَنَ* يَقُولُ: _*«الفِيلُ خِنْزِيرٌ لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، ولا يُشْرَبُ لَبَنُهُ»*_، أوْ قالَ: _*«لا يُحْلَبُ ضَرْعُهُ، ولا يُجْلَبُ ظُفْرُهُ»*_ • قال *الجاحظ*( أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، ١٦٣ - ٢٥٥ هـ، ٧٨٠ - ٨٦٩ م): " وسئل *الشّعبيّ* عن أكل لحم الفيل، فقال: *_ليس هو من بهيمة الأنعام_*." 📚 *_كتاب الحيوان_*: ١١٥/٧ • وقال *الإمام أبو بكر ابن المنذر* رحمه الله( محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، ٢٤٢ - ٣١٩ هـ = ٨٥٦ - ٩٣١ م): *" وقَدْ رُوِّينا عَنِ الشَّعْبِيِّ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ الفِيلِ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا."* 📚 *_الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف_*: الدباغ: ذِكْرُ اخْتِلافِ أهْلِ العِلْمِ فِي عِظامِ المَيْتَةِ والعاجِ: ٢٨٢/٢. وقال رحمه الله: " واختلف *الشعبى، والشافعي* في أكل لحم الفيل. فلم ير *الشعبي* به بأسًا. وفي قول *الشافعي*: لا يجوز أكل لحمه، لأنه قال: *_«لا يجوز الانتفاع بعظم الفيل، ولا بعظم شيء لا يؤكل لحمه»_*." 📚 *_الإشراف على مذاهب العلماء_*: _الأطعمة_: باب القرد، والفيل، وألبان الأتُنُ، والحيات، والعقارب، والترياق، وغير ذلك: ٥٣٢١، ١٥١/٨، ت. صغير أحمد الأنصاري أبو حماد. • قال *ابن هانئ*: وسُئلَ( أي: *إمام أهل السنة أحمد بن حنبل* رحمه الله) عن لحم الفيل يؤكل؟ قال: *_مكروه_*. «مسائل ابن هانئ» (١٧٦٢) قال *عبد الله*: سألت أبي عن لحم الفيل؟ قال: *" ليس هو من أطعمة المسلمين."* «مسائل عبد اللَّه» (١٠٠٣) 📚 *_الجامع لعلوم الإمام أحمد - الفقه_*: _الأطعمة_: ما يستخبث أكله: فصل أكل كل ذي ناب من السباع: أكل لحم الفيل: ٢٧٦١، ٣٨٠/١٢، *_مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله_*: ١٠٠٣، ص ٢٦٩- ٢٧٠، ت. زهير الشاويش، *_مسائل الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري_*: _الأطعمة_: ١٧٦٢، ص ٤٠٤، ت. أبو عمر محمد بن علي الأزهري. • قال *الشيخ عبد الكريم اللاحم*( ١٣٥٥ - ١٤٣٨ هـ) رحمه الله: " الجانب الرابع: *_الخلاف في_ الفيل*: وفيه ثلاثة أجزاء هي: ١ - الأقوال. ٢ - التوجيه. ٣ - الترجيح. الجزء الأول: الأقوال: اختلف في إباحة لحم الفيل على قولين: القول الأول: أنه مباح. القول الثاني: أنه حرام. الجزء الثاني: التوجيه: وفيه جزئيتان هما: ١ - توجيه القول الأول. ٢ - توجيه القول الثاني. الجزئية الأولى: توجيه القول الأول: وجه القول بإباحة لحم الفيل بما يأتي: ١ - قوله تعالى: *﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأرْضِ جَمِيعًا﴾* (٢). _____________________ (٢) سورة البقرة، الآية: [٢٩]. ووجه الاستدلال بالآية: أنها دلت على أن جميع ما في الأرض مخلوق للإنسان فيكون مباحا، والفيل من ضمن ما في الأرض ولا دليل على إخراجه من هذا العموم فيكون مباحا. ٢ - قوله تعالى: *﴿قُلْ لا أجِدُ فِي ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلّا أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَمًا مَسْفُوحًا أوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾* (١). ووجه الاستدلال بالآية: أنها حصرت المحرم فيما ذكر فيها والفيل ليس منها فيكون مباحا. ٣ - حديث: *(وما سكت عنه فهو معفو)* (٢) والفيل من المسكوت عنه فيكون معفوا عنه، فيكون مباحا. الجزئية الثانية: توجيه القول الثاني: وجه القول بتحريم لحم الفيل بما يأتي: ١ - قوله تعالى: *﴿ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ﴾* (٣). ووجه الاستدلال بالآية: أنها حرمت الخبائث، والفيل خبيث فيكون محرما. ٢ - نهى النبي عن أكل كل ذي ناب من السباع: ووجه الاستدلال به: أن الفيل له ناب فيكون محرما. الجزء الثالث: الترجيح: وفيه ثلاث جزئيات هي: _____________________ (١) سورة الأنعام، الآية: [١٤٥]. (٢) السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الضحايا، باب ما لم يذكر تحريمه ١٠/ ١٢. (٣) سورة الأعراف، الآية: [١٥٧]. ١ - بيان الراجح. ٢ - توجيه الترجيح. ٣ - الجواب عن وجهة القول المرجوح. الجزئية الأولى: بيان الراجح: الراجح - والله أعلم - هو القول بالإباحة. الجزئية الثانية: توجيه الترجيح: وجه ترجيح القول بإباحة لحم الفيل: أن الأصل الإباحة ولا دليل ينتهض لمعارضته. الجزئية الثالثة: الجواب عن وجهة القول المرجوح: وفيها فقرتان هما: ١ - الجواب عن الاحتجاج بالنهي عن كل ذي ناب. ٢ - الجواب عن الاحتجاج بأن الفيل من الخبائث. الفقرة الأولى: الجواب عن الاحتجاج بالنهي عن كل ذي ناب: يجاب عن ذلك: بأن المراد ما يصيد بنابه، والفيل لا يصيد به. لأن أكله الأعشاب وأغصان الأشجار، وليس الحيوانات، واللحوم. الفقرة الثانية: الجواب عن دعوى الخبث في الفيل: يجاب عن ذلك بثلاثة أجوبة: الجواب الأول: ما تقدم من أن الاستخباث لا يعتمد عليه في التحريم. الجواب الثاني: عدم التسليم بأن الفيل من الخبائث. الجواب الثالث: لو سلم أن الفيل من الخبائث، فإنه ليس بأخبث من الضبع وسيأتي أنها من المباح." 📚 *_المطلع على دقائق زاد المستقنع «فقه القضاء والشهادات»_*: فقه الأطعمة والذكاة والصيد والذبائح والأيمان والنذور: الموضوع الثالث أقسام الأطعمة: المبحث الثاني الأطعمة البَرية: المطلب الأول المحرم: ٤٦/٣- ٤٨. قال جامعه عفى الله عنه: سيأتي - إن شاء الله - البيان بأن جمهور العلماء على تحريم أكله، وذلك لعموم قوله ﷺ *" كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ "*( سيأتي تخريجه بإذن الله تعالى)، وهذا هو المعتمد إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلى وأعلم. • سئل *الشيخ عبدالمحسن العباد* حفظه الله: " هل يجوز أكل لحم الفيل والزرافة والكنغر، وما هي القاعدة في أكل لحوم الحيوانات؟" فأجاب حفظه الله: " معلوم أن الشريعة جاءت بقواعد في هذا الباب: فكل ذي مخلب من الطير وناب من السباع حرام، كما جاء ذلك عن رسول الله ﷺ؛ وكذلك أيضًا فيما يتعلق بالاستخباث والمستخبث، وأما التفاصيل فيما يتعلق بأنواع من الحيوانات فهذا يرجع فيه إلى النصوص؛ ولكن الأصل الحل حتى يأتي شيء يدل على التحريم، أو يكون داخلًا في عمومات كالحيوان الذي يفترس بأنيابه أو مخالبه سواء من السباع أو الطيور أو يكون من المستخبثات ونحو هذا. وينسحب هذا الحكم على سائر الحيوانات." 📚 *_شرح سنن أبي داود_*: الدرس ٤٦٣: ص ١٦. • وذكر *الحجاوي*( شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم المقدسي ثم الصالحي الحنبلي، ت: ٩٦٨ھ، ۱٥٦٠م) رحمه الله *الفيلَ* ضمن الحيوانات التي لها ناب، وحكم بأنها لا تحل، لأجل قوله ﷺ: *" كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ "* 📚 رواه *الإمام مسلم*( ١٩٣٣) بهذا اللفظ عن *أبي هريرة* رضي الله عنه، ورواه *البخاري*( ٥٥٣٠، ٥٧٨٠) وهو أيضا( ١٩٣٢) عن *أبي ثعلبة الخشني* رضي الله عنه، ورواه مسلم عن *ابن عباس* رضي الله عنهما( ١٩٣٤) وفيه زيادة: *" وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ."* • قال *الشيخ محمد بن المختار الشنقيطي* حفظه الله ورعاه في شرح قوله رحمه الله [والفيل]: " فيه قولان للعلماء: *الجمهور على تحريم أكل الفيل*؛ وذلك لأمرين: أولًا: وجود الناب فيه، حتى قال *الإمام أحمد*: *_لم أر أعظم منه نابًا، وقد حرم النبي ﷺ كل ذي ناب._* وهو يعدو؛ فإنه إذا آذاه الإنسان يفتك به، وإن كان فتكه ليس بالناب، لكنه يعدو عليه ويقتله، ففيه الكلَب. الوجه الثاني: خبث الفيل، ومن هنا قالوا: إنه جمع بين الوصفين. وهناك من يقول بجواز أكل لحم الفيل." 📚 *_شرح زاد المستقنع_*: الدرس ٣٩٨: صفحة ٨. • ولقد سألت شيخنا العزيز *محمد معاذ أبو قحافة* حفظه الله ورعاه عن هذه المسألة بعد أن درست أقوال أهل العلم، فقال لي: ما أعرفه أن جمهور العلماء على تحريمه. • ثم ذكرت له كلام *الشيخ عبدالكريم اللاحم* رحمه الله، فتكلم عليه وناقشه، وبيّن حفظه الله أن الأقرب إلى الصواب - إن شاء الله - هو أنه من الحيوانات ذي ناب. وفصّل ووضّح حفظه الله المسألة بأسلوب ممتع مقنع، _جزاه الله خيرا وأحسن به ورضي عنه!_ 🔹 _فخلاصة القول_، *أن الفيل أكله حرام، وهو الأحوط للسلامة من الاختلاف، وأيضا الأقرب للصواب - لما يدل عليه عموم قوله ونهيه ﷺ،* والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المأوى والمأب، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وعلى وصحبه أجمعين. حمدان أبو القاسم بن عبد الله ٢٧ / ربيع الآخر / ١٤٤٢ھ ١٢ / ديسمبر / ٢٠٢٠م ليلة السبت.

الأربعاء، 1 يناير 2020

فَإِنَّ هَذَا رَحِمَكَ اللَّهُ خَطْبٌ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ السَّلَفُ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَابِعِيهَا ومَن بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ عِلمُه مِنْ ذَلِكَ مَشْرُوحًا مُخَلَّصًا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
اعْلَمْ -رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْعِنَايَةِ بِالدِّينِ افْتَرَقُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فِرْقَتَيْنِ:
فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: الْإِيمَانُ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ بِالْقُلُوبِ, وَشَهَادَةِ الْأَلْسِنَةِ وَعَمَلِ الْجَوَارِحِ.
وَقَالَتِ الفرقةُ الْأُخْرَى بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ، فَأَمَّا الأعمالُ فَإِنَّمَا هِيَ تَقْوَى وَبِرٌّ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَإِنَّا نَظَرْنَا فِي اخْتِلَافِ الطَّائِفَتَيْنِ، فَوَجَدْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يُصَدِّقَانِ الطَّائِفَةَ الَّتِي جَعَلَتِ الْإِيمَانَ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ والعملِ جَمِيعًا وَيَنْفِيَانِ مَا قَالَتِ الأخرى.